عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن عام 2013 يعد عاماً رائعاً بالنسبة للمستبدين والإسلاميين المتشددين. أما بالنسبة للديمقراطيات والديمقراطيين المستقبليين، فإن الـ12 شهرا الماضية كانت قاتمة جداً. ونحمد الله أنه لا توجد حروب عالمية في الأفق. لكننا في عام 2013 بدأنا أن نرى بوضوح شكل العالم الذي تقوده الولايات المتحدة من الخلف. والمشهد لا يبدو جميلا. فقد هرعت الصين وروسيا وإيران لملء فراغ السلطة، مع نوايا تتحدى القيم الأميركية والمصالح طويلة الأجل. كما أسس تنظيم «القاعدة» إمارة جديدة في سوريا؛ وتحطمت آمال زعماء «الربيع العربي» الديمقراطيين وبدأت حدود الشرق الأوسط في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولي في الانهيار. كما فقد النموذج الديمقراطي، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة حول العالم، معظم بريقه المتبقي، بينما شهد العالم الكونجرس يدمر ذاته، وتسببت عمليات التجسس الهائلة التي قامت بها وكالة الأمن القومي في فقدان تمثال الحرية لاحترامه. والكثيرون في الولايات المتحدة سئموا من التدخل الأجنبي. وهذا مفهوم. لكن هناك أربعة أحداث مؤثرة في عام 2013 ينبغي أن تجعل البيت الأبيض يعيد التفكير في تكاليف الاندفاع الحريص للتحول إلى الداخل بينما يفكر في اتجاه سياستنا الخارجية في عام 2014. أولاً: التوصل لاتفاق لإزالة الأسلحة الكيماوية من سوريا. وبعيداً عن تقدم الدبلوماسية، فقد أوحى هذا الاتفاق بضعف الولايات المتحدة وقوض من احتمالات نجاح الجهود الدبلوماسية في 2014. كيف حدث ذلك؟ في شهر سبتمبر، أيّد أوباما القيام بضربة عسكرية محدودة ضد أهداف عسكرية سورية بعد أن تجاوز النظام السوري «خطوطه الحمراء» بقتل ألف مدني بغاز السارين. ورغم ذلك فإن أوباما الذي يحذر التورط في الشرق الأوسط، خاف وتحول فجأة إلى الكونجرس ليحصل على موافقته، دون أن يحذّر الدول التي تعهدت بتقديم الدعم. ثم اقترحت موسكو اتفاق الأسلحة الكيماوية، حفظاً لماء وجه أوباما. كان الروس يعلمون أن الاتفاق سوف يساعد الأسد في إحكام قبضته على السلطة، وعلى قتل المدنيين بوسائل أخرى غير الكيماويات. وأتاح استمرار الصراع السوري لتنظيم «القاعدة» بناء إمارة جديدة على كل من جانبي الحدود السورية العراقية. كما أقنعت الصفقة روسيا وإيران وإسرائيل بأن أوباما لا يرغب في استخدام القوة حتى بعد تعهده بالقيام بذلك. وسوف يؤثر ذلك على الموقف التفاوضي لإيران بشأن برنامجها النووي، مع اعتقاد كل من روسيا والصين باستعداد الولايات المتحدة للوقوف بجانب حلفائها. ثانياً: إعلان الصين في نوفمبر عن إقامة منطقة دفاع جوي جديدة فوق الجزر التي تتنازع عليها مع اليابان. وتختبر الصين، التي تشعر بضعف وانسحاب الولايات المتحدة، ما إذا كان بإمكانها تأسيس سيادة في المنطقة وإحداث وقيعة بين واشنطن وحلفائها في آسيا. وطالبت الصين بأن يمدها الطيارون العسكريون والمدنيون الأجانب بمسار رحلاتهم قبل التحليق فوق الجزر. وقامت طائرات عسكرية أميركية ويابانية بالطيران من خلال هذه المنطقة من دون تقديم خطوط سيرها، لكن إدارة الطيران الفيدرالية نصحت الطيارين المدنيين بالتسجيل. وتمثل هذه الخطوة المحفوفة بالخطر من جانب الصين إشارة واضحة إلى أنها ستواصل سبر عزم الولايات المتحدة للمحافظة على دورها في آسيا ودعم حلفائها. ثالثاً: قيام بوتين في ديسمبر بتقديم مساعدات إنقاذ بقيمة 15 مليون دولار إلى أوكرانيا للحفاظ على الدولة التي تقع داخل نطاق النفوذ الروسي. كان هذا السخاء يهدف إلى أمرين رئيسيين: إضعاف الاحتجاجات الأوكرانية ضد يانوكوفيتش، رئيس أوكرانيا الموالي لروسيا، ومكافأة الزعيم الأوكراني لرفضه اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ويشير هذا التحرك من قبل الرئيس الروسي إلى توقه لإعادة تأكيد نفوذ روسيا الاستبدادية على الجوار وما وراءه، في الوقت الذي يدرك فيه ضعف الولايات المتحدة. رابعاً: سقوط نظام "الإخوان " في مصر. ما هو العامل المشترك في هذه الأحداث الأربعة؟ إنها علامات تحذير من أن روسيا والصين سوف تحاولان الاستفادة من ضعف الولايات المتحدة لتوسيع طموحاتهما الإقليمية. وفي هذا العالم غير القطبي، قد يؤدي طموح بوتين لاستعادة عظمة روسيا وجهود الصين من أجل الهيمنة الإقليمية، إلى الكثير من الحسابات الخاطئة أو حتى سفك الدماء. وفي نفس الوقت، فإن الشرق الأوسط سوف يواصل انهياره، وسوف تنمو الجهادية، حيث يفترض الأعداء والحلفاء على حد السواء أن واشنطن قد فقدت اهتمامها. أما محادثات السلام بشأن سوريا أو برنامج إيران النووي أو إسرائيل وفلسطين أو مستقبل أفغانستان الأمني، فلديها فرصة ضئيلة إذا لم يعتقد المشاركون أن الولايات المتحدة سوف تساعدهم. بإمكان أوباما اتباع رغبة الجمهور وتفريغ أعباء أميركا الخارجية، لكن هذه الأحداث الأربعة توضح أن مشاكل العالم لن تتركنا وشأننا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي. تي. انترناشونال"